أفانين
معرض النيابة العامة الدولي للكتاب
الثقافة

مساحات فكرية وعلمية متنوعة بمعرض النيابة العامة الدولي للكتاب

مساحات فكرية حوارية متنوعة تجمع بين الأدب والفكر والثقافة القانونية، لا يزال يقدمها معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في نسخته الثانية التي تختتم بعد غدٍ السبت على أرض المعارض بمعرض طرابلس الدولي.

النسخة الثانية التي انطلقت 15 أكتوبر الجاري ويعتبرها كثيرون عرساً ثقافياً، شهدت مشاركة دور نشر محلية وعربية وإقليمية، وإصدارات تقارب 170 ألف عنوان في مجالات القانون والأدب وعلوم الاجتماع والفكر والفلسفة، وسط مشاركة واسعة من زوار المعرض. فعاليات المعرض تضمنت إقامة ندوات تناقش الوضع الثقافي الليبي الراهن، وأسئلته في المسرح والرواية والمأثور الشعبي، إضافة إلى حفلات توقيع كتب لنخبة من الكتاب والشعراء الليبيين. في السطور التالية نرصد جانباً من هذه الفعاليات المتنوعة.

المسرح والكتاب والنقد
في محاضرة للكاتب المسرحي البوصيري عبدالله احتضنتها قاعة عمر المختار تناول الكاتب موضوع (الكتاب المسرحي في ليبيا) عبر خط زمني منذ ستينيات القرن الماضي، ورصد فيه اتجاهات كتابة الأعمال المسرحية تحليلا ونقدا على المستويين المحلي والعربي من خلال السلطة الرابعة فنجد مثلا للشاعر علي الرقيعي رأياً في مسرحية بعنوان (عمر المختار) نشر في جريدة طرابلس الغرب العام 1960، ومقالاً للكاتب السوداني جيلي عبدالرحمن في الجريدة نفسها العام 1960ناقش فيه أبعاد المسرحية.

البوصيري عبدالله توقف في محاضرته عند بعض العناوين التي اعتبرها محطة مهمة في تاريخ الكتابة المسرحية وهو كتاب (معارك الأمس) للكاتب الراحل كامل عراب وكذلك كتاب (بلادك يا صالح) للكاتب عبدالحميد المجراب، ولم يغفل الإشارة إلى إسهامات هنا وهناك في باب الترجمة منها ما دونه المؤرخ والكاتب خليفة التليسي في ترجمته لعمل نشرته اللجنة العليا للفنون والآداب، واشتغال الدكتور عبدالفتاح خشين علي عمل مسرحي من إصدارات دار الفكر، معددًا أن ما جرى نشره من كتب تعني بالنص المسرحي حتى نهاية الستينيات لا يتجاوز سبعة كتب. يري البوصيري أن فترة السبعينيات من القرن الماضي شهدت نشاطا في حركة النشر المسرحي وهو نتيجة ثمار عمل مؤسساتي ودور نشر وهي الهيئة العامة للمسرح ودار الكتاب العربي، والدار العربية للكتاب حيث سجل الكتاب المسرحي تسعة عشر إصدارا، إلا أن هذا المسار واجه بعض العراقيل تتمثل في إزاحة القطاع الخاص من مجال النشر ليصبح حكرا على مؤسسات بعينها.

في سياق متصل تحدث البوصيري عبدالله عن واقع النقد المسرحي مسجلاً ملاحظاته في انشغالات النقاد بالأدب دون المسرح بسبب عدة عوامل أهمها النظرة الماثلة في حاضنة النسق الاجتماعي للمسرح باعتباره ترفاً ثقافياً ثم تأتي السياسة المنهجية التي تضع المسرح في جانب مستقل عن الفنون الأخرى الأمر الذي أدى إلى الميل صوب الفنون السردية والشعر.

عن الحصادي والفلسفة
أيضاً ضمن فعاليات المعرض تحدث الدكتور عبدالباسط مادي عن المنهج الفكري عند الدكتور نجيب الحصادي مستهلا بعنوان استفهامي (نجيب الحصادي من هو؟)، مشيرا إلى العقبات أو الحواجز التي وقفت عائقاً أمام الحصادي ليكون فكرة مشروع فلسفي متكامل، واعتبر أن الفلسفة دخلت الفضاء الجامعي منذ خمسينيات القرن الماضي لكنها لم تنتج مشروعاً فلسفياً، وبالتالي فالحصادي يعد وريثاً لهذا السمة، إضافة إلى أن المسألة تتعلق بطبيعة المنهج الذي تبناه الحصادي في مقارباته الفلسفية، عدا أن اهتماماته الابستمولوجية وإبحاره في أكثر من حقل معرفي قلل من فرصة تأسيسه لمشروع فلسفي.ومن الفلسفة إلى التراث حيث تنقلنا فعاليات المعرض إلى محاضرة عن (مغاني الرحى في الموروث الشعبي) تطرق خلالها الباحث الهادي حقيق إلى المدلول الثقافي والاجتماعي في أغاني الرحى، وتمظهراتها الحياتية عبر نصوصها المندمجة بشكل مباشر في عاداتنا وتقاليدنا، ولأن المرأة والرحى تمثلان توأم الشاهد على هذا الإرث فقد بثت المرأة عبر أغاني الرحي وجدانياتها وشكواها، أحزانها وأحلامها، تمنياتها، فأشعار الرحى تمثل للمرأة مذكراتها الشفوية المرحلة من جيل إلى جيل.

ومن يوميات المعرض نطل على جلسة حوارية بعنوان «فن الرواية والتقاطع الشخصي والوطني»، بمشاركة الروائي الأردني أيمن العتوم والسجين السياسي الليبي علي العكرمي، حيث تحدث العتوم عن الخلفيات الفلسفية والفكرية التي تنطلق منها سرديته (طريق إلى جهنم)، موضحاً أن بنية الرواية تنطلق من زمنين مختلفين يلتقيان في نقطة واحدة تجسد لحظة التحرر والانكسار، وبين أن طبيعة النص وأفقه الدلالي ينهض على الإيحاء القرآني الذي يقدم من ضمن معانيه بالخصوص فظاعة الجدار السجني وأثره الماثل في العقل والجسد والنفس دون أن يحيلنا ذلك إلى المدلول الانهزامي، وهو ما أكده السجين علي العكرمي وهو يستعيد من تجربته القاسية في السجن الدرس المستفاد وهو تجاوز الماضي وجعل الألم جسرا إلى تصالح نفسي مع الذات واستنهاض القيم الثمينة ونحن نصارع بحثا عن الحرية، الجلسة أدارتها أمل النائلي.

كما كان للشعر حضوره اللافت في فضاءات أرض المعارض حيث ألقى الكاتب والشاعر عبدالحكيم كشاد في أمسية شعرية بجناح الهيئة العامة للصحافة عددا من نصوصه ضمن إصداره الجديد (ارتجاف) التي يحاكي فيها كشاد شواغل الذات وتجلياتها وتساؤلات الشاعر عبر القصيدة عن مضامين روحية تبتعد وتقترب أحيانا في جدل المسافة عاكسة لحظات الوجد وهو ينبعث كموسيقى من وحي القصائد.

وتواصل إلقاء القصائد في أمسية شعرية أخرى بقاعة عمر المختار أحياها كل من الشعراء (راشد الزبير ومحمد المزوغي ود. علاء الدين الأسطى وهود الأماني وإسراء النفاثي وهناء قرقاب)، حيث تنوعت مضامين النصوص بين فضاءات التصوف ومقاربات تخلص لتصور إنساني عام. وتحت عنوان «الرمز الديني في روايات إبراهيم الكوني» شهدت قاعة عمر المختار الثلاثاء ندوة مميزة قدّمتها الدكتورة منال البوزيدي.

البوزيدي تناولت خلال الندوة الرموز الدينية والفكرية في أعمال الأديب العالمي إبراهيم الكوني، موضحةً كيفية توظيفه للعقيدة والأسطورة في بناء شخصياته وسرده الأدبي العميق الذي يجسد الصحراء كعالم رمزي متكامل. تميزت الجلسة بنقاش ثري وتفاعل واسع من الحضور من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، الذين أثنوا على أهمية الطرح الذي يعكس العمق الفلسفي والروحي للأدب الليبي المعاصر.

من جهتها أكدت الدكتورة عايدة أحمد، منسق المجلس العلمي الليبي بمركز البحوث الجنائية والتدريب، أن هذا العام شهد إقبالًا واسعًا من مختلف فئات المجتمع على معرض النيابة العامة الدولي للكتاب، الذي يُعد من أبرز الفعاليات الثقافية التي تجمع بين الفكر والمعرفة والإبداع في ليبيا.

ويُقام المعرض برعاية وتنظيم مكتب النائب العام – مركز البحوث الجنائية والتدريب، بقيادة المدير التنفيذي محمد الأسود، والدكتور عبدالسلام الديفار، وبمشاركة الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، ما يعكس حجم الاهتمام الرسمي بدعم الحراك الثقافي والفكري داخل مؤسسات الدولة.

وأوضحت د. عايدة أن فعاليات المعرض تضمنت مسابقات دينية وأمسيات شعرية أضفت على الأجواء طابعًا ثقافيًا متنوعًا، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من رجال القانون في ليبيا شاركوا في ندوات علمية متخصصة منذ اليوم الأول لانطلاق المعرض، ما يعكس اهتمام المؤسسة القضائية بنشر الوعي القانوني وتعزيز الثقافة العامة لدى الجمهور.

أضافت أن إدارة المعرض أولت اهتمامًا خاصًا بوعي النشء والأطفال، حيث جرى تنظيم جولات مدرسية لطلاب عدد من المدارس للتعرف على الكتب المعروضة وتحفيزهم على القراءة والمعرفة منذ الصغر.

استعرضت فكرة المعرض بوصفها مبادرة فكرية رائدة تنطلق من فلسفة «الجزء إلى الكل»، أي من دور النيابة العامة كجهاز عدلي متخصص إلى فضاء وطني شامل يسعى إلى تنوير المواطن بواجباته وحقوقه، وترسيخ ثقافة الوقاية من الجريمة قبل وقوعها، لتتحول العدالة إلى قيمة معرفية وثقافية تلامس مختلف جوانب الحياة العامة.

وأكدت أن المعرض لا يقتصر على كتب الشريعة والتراث فقط، بل شهد إقبالًا واسعًا على الأعمال الإنسانية والدينية التي تعكس القيم الأخلاقية والروحية في المجتمع، ما يعزز تنوع المحتوى المعرفي واتساع قاعدة القراء والزوار.

منسق المجلس العلمي أوضحت أن المعرض شهد مشاركات مميزة من عدد كبير من الدول العربية والأجنبية، ما يعزز مكانته كمنصة ثقافية دولية تحتضن الحوار والتبادل المعرفي بين الشعوب، مشيدةً في الوقت نفسه بجهود النيابة العامة في ليبيا التي استطاعت أن تجعل من المعرض حدثًا وطنيًا بارزًا يجسد رؤية جديدة للعدالة القائمة على المعرفة والتنوير.

افتتاح رسمي رفيع المستوى
وافتتح النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور فعاليات المعرض في أرض معرض طرابلس الدولي، بحضور المهندس عصام العول رئيس الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب عدد من السفراء وممثلي المنظمات الدولية وأدباء وإعلاميين من دول عربية وأفريقية. وشهدت النسخة الثانية من المعرض مشاركة وفود إعلامية من مصر، والأردن، وفلسطين، وسلطنة عمان، ونيجيريا، والبحرين، وموريتانيا.

ويختتم المعرض فعالياته، بعد غد السبت، بتكريم المشاركين المتميزين والفائزين في المسابقات، وسط إشادة واسعة من الزوار بحسن التنظيم والإعداد، ما يرسخ مكانة طرابلس كمنارة ثقافية عربية متجددة.

ذات صلة

ماسك يحلّق بالإنترنت إلى السماء بسرعات خيالية

suwaih

الخيمة التارقية.. لمسة من التراث الصحراوي في أروقة كرنفال ليبيا الثاني

suwaih

أكادير تحتضن مهرجان تيميتار في دورته 19

suwaih

مركز الفن الحديث بتطوان يحتضن تظاهرة “أزياء من عبق الحضارات” من تنظيم مركز دياموند

suwaih

السرد الليبي يزهو في بنغازي ضمنفعاليات معرض الكتاب الدولي 2025

suwaih

12 دولة و100 دار نشر تستعد للمشاركة في معرض بنغازي الدولي الرابع للكتاب

suwaih

اترك تعليقًا

* باستخدام هذا النموذج فإنك توافق على تخزين بياناتك ومعالجتها بواسطة هذا الموقع.

أفانين مساحة ثقافية تُعنى بالفنّ والفكر والإبداع بكل أشكاله.